ثانيا: أنواع البحث العلمي حسب أسلوب التفكير
1 ـ التفكير الاستقرائي:
يقوم البحث الاستقرائي بعملية ملاحظة الجزئيات والحقائق والمعلومات الفردية التي تساعد في تكوين إطار لنظرية يمكن تعميمها. وقد أخذ "سقراط" بهذا الأسلوب، وتعرف على نوعين منه: الاستقراء التام والاستقراء الحدسي. لكن عملية الاستقراء أخذت معنى أكثر دقة وتحديدا عند "هيوم " الذي لخصها بأنها: "قضايا جزئية تؤدي إلى وقائع أو ظواهر، وتعد مقدمة إلى قضية عامة، ويمكن اعتبارها نتيجة تشير إلى ما سوف يحدث"
ولعل من أشهر أمثلة الاستقراء حادثة وقوع التفاحة وما استنتجه العالم نيوتن من النتائج والحقائق.
ويتفق الباحثون على أن البحث الاستقرائي عادة ما ينتهي بمجموعة من الفروض التي تستطيع تفسير تلك الملاحظات والتجارب، ثم تحقيق هذه الفروض بعد اختبارها. فالبحوث الاستقرائية تساهم في التوصل إلى الإجابات عن الأسئلة التقليدية المعروفة: ماذا، كيف، من، أين، أي.
2 ـ التفكير الاستنباطي:
ويطلق عليه أيضا " طريق القياس"، وهو يسير في اتجاه معاكس للتفكير الاستقرائي الذي يتبعه التجريبيون، وهذا يعني أنه مكمل للأسلوب الاستقرائي وليس مناقضا له.
وهذا الأسلوب ينقل العالم الباحث بصورة منطقية من المبادئ والنتائج التي تقوم على البديهيات والمسلمات العلمية، إلى الجزئيات وإلى استنتاجات فردية معينة. فالأسلوب الاستقرائي يهدف إلى التحقق من الفروض وإثباتها عن طريق الاختبار، أما الأسلوب الاستنباطي فهو الذي ينشأ من وجود استفسار علمي، ثم يعمل الباحث على جمع البيانات والمعلومات وتحليلها لإثبات صحة الاستفسار أو رفضه.
والاستقراء يبدأ بالجزئيات ليتوصل إلى القوانين والمسلمات العلمية، في حين أن الاستنباط أو القياس يبدأ بالقوانين ليستنبط منها الحقائق. وبهذا يكون الاستقراء من نصيب المتخصصين الذين يهتمون بالتعليلات العلمية القريبة، بينما يكون الاستنباط من نصيب الفلاسفة الذين يهتمون بالتعليلات الفلسفية البعيدة. فعالم علم الحياة مثلا يهتم بتركيب الأعضاء ووظائفها، بينما ينظر الفيلسوف إلى كلية العلم ويحاول تفسير الحياة نفسها.
ويمكن القول أن هناك علاقة تبادلية بين الاستقراء والاستنباط، فالاستقراء عادة ما يتقدم القياس أو الاستنباط، وبذلك فإن القياس يبدأ من حيث ينتهي الاستقراء، وبينما يحتاج الاستقراء إلى القياس عندما يطبق على الجزئيات للتأكد من الفروض، فإن القياس يحتاج إلى الاستقراء من أجل التوصل إلى القواعد والقوانين الكلية.